الوصول الى الحقيقة

قصة يوم الغدير العظيم..وارتباطه بالتراث اليمني!!

يصادف يوم 18 من ذو الحجة، عيد الغدير الأغر،يوم قال النبي الأكرم “من كنت مولاه فعلي مولاه”
يعد يوم الغدير من أشهر الأيام في حياة رسول الإسلام (ص) ولقد وثّقته كل الكتب التاريخية على اختلاف مذاهبها وذكرت العديد من تفاصيل هذا اليوم العظيم.. فما هي قصته ؟.!

جبرائيل يبلّغ الرسول (ص) :
لما انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع والمسلمون معه وهم على بعض الروايات زهاء مائتي ألف نسمة، سار (صلى الله عليه وآله) نحو المدينة، حتى إذا كان اليوم الثامن عشر من ذي الحجة وصل ـ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن معه من المسلمون ـ إلى غدير خم من الجحفة التي تتشعّب فيها طرق المدنيين عن غيرهم، ولم يكن هذا المكان بموضع إذ ذاك يصلح للنزول، لعدم وجود الماء فيه والمرعى، فنزل عليه الأمين جبرئيل (عليه السلام) عن الله بقوله تعالى: ((يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ))[2].
وكان نزوله هذا بهذا الشأن هو للمرة الثالثة، فقد نزل (عليه السلام) عليه (صلى الله عليه وآله) قبلها مرّتين ـ وذلك للتأكيد ـ: مرة عند وقوفه بالموقف، وأخرى عند كونه في مسجد الخيف، وفي كل منهما يأمره بأن يستخلف عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وأن يسلّم إليه ما عنده من العلم وميراث علوم الأنبياء (عليهم السلام) وجميع ما لديه من آياتهم، وأن يقيمه علماً للناس، ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية، وفرض الطاعة على كل أحد، ويأخذ منهم البيعة له على ذلك، والسلام عليه بإمرة المؤمنين، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يسأل جبرئيل أن يأتيه من الله تعالى بالعصمة، وفي هذه المرة نزل عليه بهذه الآية الكريمة التي فيها: ((وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)).
الرسول يقوم بالمهمة :
من كنت مولاه فعلي مولاهفأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالتوقّف عن المسير وأن يردّ من تقدّم من القوم ويحبس من تأخّر منهم في ذلك المكان، فنزل (صلى الله عليه وآله) ونزل المسلمون حوله، وكان يوماً قايظاً شديد الحرّ، فأمر بدوحات هناك فقمّ ما تحتها وأمر بجمع الرحال فيه، ووضع بعضها فوق بعض.

ثم أمر (صلى الله عليه وآله) مناديه فنادى في الناس: الصلاة جامعة، فاجتمعوا إليه وإن الرجل منهم ليضع بعض ردائه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدّة الحرّ، فلما اجتمعوا صعد (صلى الله عليه وآله) على تلك الرحال حتى صار في ذروتها، ودعا علياً (عليه السلام) فرقى معه حتى قام عن يمينه ثم خطب (صلى الله عليه وآله) الناس خطبة بليغة لم يسمع الناس بمثلها فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ فأبلغ الموعظة، ونعى إلى الاُمّة نفسه، وأشار إلى أمر الإستخلاف فنصب علياً (عليه السلام) بأمر من الله تعالى خليفة عليهم بعده (صلى الله عليه وآله)، ومما قال (صلى الله عليه وآله) فيها ما يلي:

«معاشر الناس، ان الله أوحى إليّ يقول: ((يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ))[3]. وأنا مبيّن لكم سبب نزول هذه الآية: إنّ جبرئيل هبط عليّ مراراً ثلاثاً يأمرني عن ربّي جلّ جلاله أن أقوم في هذا المشهد، فاُعلم كل أبيض وأسود، أنّ علي بن أبي طالب أخي ووصيّي وخليفتي على اُمّتي، والإمام من بعدي، وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة من الناس وهو الله الكافي الكريم.

فاعلموا معاشر الناس، أن الله قد نصبه لكم ولياً وإماماً مفترضاً طاعته على المهاجرين والأنصار، وعلى التابعين لهم بإحسان، وعلى البادي والحاضر وعلى الأعجمي والعربي، والحر والمملوك، وعلى كل موحّد. معاشر الناس، إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد، فاسمعوا وأطيعوا، وانقادوا لأمر ربّكم، فإنّ الله هو مولاكم وإلهكم، ثم من بعده رسوله محمّد وليّكم القائم المخاطب لكم، ثم من بعدي علي وليّكم وإمامكم بأمر ربّكم، ثم الإمامة في ذرّيتي من ولده إلى يوم تلقون الله ورسوله، لا حلال إلاّ ما أحلّه الله، ولا حرام إلاّ ما حرّمه الله، عرّفني الله الحلال والحرام وأنا أفضيت لما علّمني ربّي من كتابه وحلاله وحرامه إليه ـ إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ـ.

وظل رسول الله يقول معاشر الناس، حتى وصل إلى قوله :

اللهم احشرنا مع محمد وال محمد معاشر الناس، فما تقولون؟ قولوا الّذي قلت، وسلّموا على عليٍّ بإمرة المؤمنين، وقولوا: سمعنا وأطعنا، وقولوا: الحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله .. معاشر الناس، إنّ فضائل عليّ عند الله عزّوجل الذي قد أنزلها في القرآن أكثر من أن اُحصيها في مكان واحد، فمن أنبأكم بها فصدِّقوه.
معاشر الناس، من يطع الله ورسوله وعلياً أمير المؤمنين والأئمّة من ولده فقد فاز فوزاً عظيماً».
فناداه القوم: سمعنا وأطعنا أمر الله وأمر رسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا.
ثم إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نادى بأعلى صوته ويده في يد علي (عليه السلام) وقال: «يا أيّها الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم؟ ».
قالوا بأجمعهم: بلى يا رسول الله.
فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بضبع علي (عليه السلام) حتى رأى الناس بياض ابطيهما، وقال على النسق من غير فصل: «فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، والعن من خالفه، وأدر الحقّ معه حيثما دار، ألا فليبلّغ ذلك منكم الشاهد الغائب، والوالد الولد».

الصحابة يبايعون عليّاً (عليه السلام) :
ثم نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان وقت الظهيرة فصلّى ركعتين ثمّ زالت الشمس، فأذّن مؤذّنه لصلاة الظهر، فلما صلّى بهم جلس في خيمته وأمر عليّاً (عليه السلام) أن يجلس في خيمة له بازائه، ثم أمر (صلى الله عليه وآله) المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً فيهنّؤوه (عليه السلام) بالولاية، ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين، ويبايعوه على ذلك.

ففعل الناس ذلك كلّهم يقولون له: بخّ بخّ لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة[6]. ثم أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أزواجه وسائر نساء المؤمنين معه أن يدخلن على علي (عليه السلام) ويسلّمن عليه بإمرة المؤمنين، ويبايعنه على ذلك، ففعلن وسلّمن عليه (عليه السلام) وبايعنه بإدخال أيديهنّ في طشت فيه ماء كان قد أدخل علي (عليه السلام) يده فيه قبل ذلك.

القرآن يبارك خلافة علي (عليه السلام) :
وعن ابن عباس، وحذيفة، وأبي ذر وغيرهم، انهم قالوا: والله ما برحنا من مكاننا ذلك حتى نزل جبرئيل بهذه الآية عن الله تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً))[7].
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الربّ سبحانه وتعالى برسالتي إليكم، والولاية لعليّ بن أبي طالب بعدي.

يوم الغدير شعرا :
كان شاعر الرسول (ص) حسّان بن ثابت موجودا فقال: يا رسول الله أتأذن لي أن أقول في هذا المقام ما يرضاه الله؟
فقال له (صلى الله عليه وآله): قل يا حسّان على اسم الله.

فوقف على نشز من الأرض وتطاول الناس لسماع كلامه، فأنشأ يقول:
الغدير برواية الشعر :

رسول الله يأخذ بيد علي ويعلنه إماما للمسلمينيناديهم يوم الغدير نبيّهم***بخمّ واسمع بالرسول منادياً
فقال: فمن مولاكمُ ونبّيكم؟ ***فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا
إلهك مولانا وأنت نبيّنا***ولم تلق منّا في الولاية عاصيا
فقال له: قم يا علي فإنّني***رضيتك من بعدي إماماً وهادياً
فمن كنتُ مولاه فهذا وليّه***فكونوا له أتباع صدق موالياً
هناك دعا اللهمّ وال وليّه***وكن للذي عادى علياً معاديا

فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تزال يا حسّان مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك[8]. ثم قام من بعده جماعة من الشعراء وألقوا على مسامع القوم أبياتاً في مدح علي (عليه السلام) وتبجيل هذه المناسبة العظيمة كقيس بن سعد بن عبادة الخزرجي وغيره.

ارتباط يوم الغدير بالتراث اليمني

يحتفل الشعب اليمني في هذا اليوم الفضيل مثل غيره من الشعوب والدول الإسلامية بيوم الغدير وهو احتفال متوارث من العصور الإسلامية القديمة، فإلى جانب كونه يوما سياسيا وعيدا دينيا تحتفل به كثير من المجتمعات والمنظمات المدنية والحزبية والرسمية فإنه قد أصبح تقليدا من تقاليد المجتمع اليمني، يحضرون له ويعدون له العدة كما يحضرون لأيام الأعياد الدينية والوطنية الأخرى، على مستوى المدينة والريف، وعيد الغدير أيامه متداخلة مع أيام عيد الأضحى التي هي تسعة عشر يوما، التسعة الأيام الأولى قبل العيد وتبدأ من أول شهر ذي الحجة تتخللها المواقف التي توزع فيها الصدقات على المحتاجين، ثم يوم عيد الأضحى وهو اليوم العاشر من الشهر، ثم التسعة الأيام الأخرى التي تتخللها أيام التشريق وتنتهي في عاشر العيد ـ وهو اليوم التاسع عشر من شهر ذي الحجة ـ بيوم الغدير أو يوم النشور موضوع منشورنا هذا، ولأننا بصدد البحث في التراث الشعبي فإننا لن نتطرق إلى الأحكام الشرعية التي توجب ولاية الوصي عليه السلام، فلها نصوصها في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ومباحثها العديدة، وبالتالي فإن دورنا سيقتصر على التطرق إلى عينة من الاحتفالات بعيد الغدير في التراث الشعبي على مستوى العاصمة ثم على مستوى المديرية ثم على مستوى القرية، ففي هذا اليوم يخرج السكان للاحتفال به إلى خارج المدينة أو القرية على شكل جماعات تردد الزوامل المتعلقة بالمناسبة المصحوبة بإطلاق النيران، ثم يعود كل لممارسة عمله الذي توقف عنه في أيام العيد لتبدأ دورة السنة من جديد.
عيد الغدير في العاصمة
ولأهمية يوم الغدير في اليمن فإن المؤرخين قد تطرقوا إلى مجرياته في كتبهم التاريخية وكيف كان يتم في عاصمة الدولة ( صنعاء) وعلى سبيل المثال فقد أشار المؤرخ يحيى بن الحسين وهو يتحدث عن سنة 1073هـ في كتابه المسمى (بهجة الزمن في تاريخ اليمن) فقال: وفي هذه السنة ابتدأ أحمد بن الحسن بشعار يوم الغدير في ثامن عشر يوم من ذي الحجة بنشر الأعلام والألوية والحربة والمتوكل اقتدى به ففعله من بعد وهو بحبور لما وصل إليه أحمد بن الحسن .
وبالطبع لم تكن هذه السنة هي سنة البداية بشكل عام لكنها سنة البداية بعد ترحيل الأتراك عن غزوهم الأول لليمن، لأنهم أوقفوا الاحتفال بيوم الغدير، وينقل عن يحيى بن الحسين المؤرخ عبدالله بن علي الوزير في تاريخه المسمى ( تاريخ طبق الحلوى وصحائف المن والسلوى ) أن الاحتفال بيوم الغدير ابتدأ في سنة 1073هـ وهي من سنين حكم الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم فقال:
• وفي سنة 1073هـ كان من صفي الإسلام أحمد بن الحسن بن الإمام ابتدأ شعار يوم الغدير ثامن عشر ذي الحجة الحرام بنشر الأعلام، وسل المشطب الحسام، ومد الحراب وأشراعها على الرقاب، ولما وصل الصفي إلى حضرة الإمام وهو بحبور اجتمعا على فعل هذا الشعار فقام به للشيعة شنار .
• وخطب خطيب صنعاء محمد بن إبراهيم السحولي بخطبة الرافضة يوم الغدير ثامن عشر الحجة 1085هـ يوم الجمعة، وحث الناس على الصيام فيه وإظهار الشعار الذي للإمامية ألاثني عشرية ولم يخطب أحد قبله من أهل مذهبه.
• وفي ثامن عشر ذي الحجة سنة 1085هـ كان شعار ( غدير خم) المعقود فيه ولاية الوصي وخطب فيه بليغ اليمن وعالمه محمد بن إبراهيم الشجري السحولي خطبة الغدير ولم يكن قد خطب بها قبل غيره في حوزة الزيدية
أما المؤرخ محسن بن الحسن بن القاسم بن أحمد بن القاسم بن محمد الملقب (أبو طالب) فقد أشار إلى أن ابتدأ شعار الغدير كان في سنة 1072هـ ولا شك أن أحدهم قدم أو أخر سنة، فمن خلال السرد يتضح أن القصد مشترك لكن السنة اختلفت فإلى ما قاله أبو طالب:
• وفيها ( 1072هـ) كان ابتدأ شعار يوم الغدير وإظهار الزينة والتباشير والساعي فيه مولانا أحمد بن الحسن بمشاورة الإمام واستحسانه الرأي وتلقيه بالإعظام وكان ابتدأ هذا الشعور بحبور فعم الشيعة بفعله السرور والحبور فقيد به الجيش اللهام وسلت السيوف على متون الصافنات الجياد ونشرت الأعلام وأصلت كل فارس سيفه وأفيضت الخلع على الكبراء والشعراء وقال المُجيدون في مدح الوصي كل بديعة غراء وقام بذلك للشيعة الشنار واتقدت النواصب بسلال النار وأول من سن نشر الأعلام ووضعها بهذا اليوم في أعالي الدور والأطام معز الدولة بن بويه وقد ذكر الذهبي ذلك في تاريخه وأشار إليه .
• وفيها ( 1085هـ) خطب القاضي محمد بن إبراهيم السحولي يوم الموكب بغدير خم وكان أول من سن ذلك وأسمع الصم والبكم ولم تستمر الخطبة بعده في يوم الموكب وما أدري ما هو السبب الموجب لترك ذلك .
وإذا كان المؤرخ الوزير قد حدد يوم الغدير في ثامن عشر شهر ذي الحجة فإن المؤرخ أبا طالب لم يشر إلى اليوم بل اكتفى بذكر السنة، كما أنهما اتفقا على أن الأمير أحمد بن الحسن هو أول من أمر بالاحتفال بهذا اليوم قبل أن يصبح إماما، كذلك اتفقا على أن القاضي السحولي خطب في يوم الغدير سنة 1085هـ خطبة عصماء، وكأني بالمؤرخين كانوا على وفاق في اختيار ألفاظ التدوين.
وكان لا بد من متابعة السنين التي احتفل اليمنيون بها بيوم الغدير، فالمؤرخ محسن الحرازي صاحب الحوليات قد جعل من يوم الغدير يوم للانتقام من المفسدين ومعاقبتهم ففي سنة 1231هـ يقول صاحب الحوليات:
( وفي ليلة ثاني الغدير أوقع المهدي عبدالله بالوزير عثمان فارع ومن يلوذ به من أقاربه وخدامه وجلسائه، وختم على أمواله حتى كمل الضبط، ثم فتحت الخزائن إلى بيت المال واخرجوا أموالا عظيمة لا تحصى من الذهب والفضة والملبوس والشمع والعسل وغير ذلك مما لا يسع حصره من الفراش والنمارق والدواب وأبقاه في الترسيم)
ولم تفت صاحب الحوليات الإشارة إلى يوم الغدير في سنة 1261هـ وما تم فيه، فبعد إشارته إلى توزيع الإمام الضحايا وإجزاله العطايا والهبات في عيد الأضحى للمجاهدين أشار إلى أن الإمام جهز في يوم الغدير حملة عسكرية كبيرة على المفسدين بالمال العام الفارين إلى حصون إريان، وما كان أحوجنا في هذا الوقت إلى محاربة المفسدين أنفسهم وما تفرع عنهم وانتزاع ما قد نهبوه من الأموال العامة .
وفي سنة 1264 جعل صاحب الحوليات يوم الغدير يوما مشهودا على محاربة قاطعي الطرق حيث تم فيه قتل من أسماه المؤرخ برأس الفساد، فجعل يوم الغدير يوم تاريخي لتنفيذ وتدوين أهم الأحداث حيث قال: ( وفي ثاني الغدير…. إلى آخر ذلك)
وفي الكتاب التاريخي الذي حققه القاضي حسين بن أحمد السياغي واسماه ( صفحات مجهولة من تاريخ اليمن) لعدم معرفة اسم المؤرخ نجد أنه أطلق على يوم الغدير (يوم النشور) فقال المؤرخ المجهول وهو يتحدث عن سنة 1266هـ:
• .. ثم وافى يوم النشور وهو يوم تاسع عشر ذي الحجة فوقع نشور عظيم اجتمعت فيه القبائل جم غفير وأمر الخيالة بلبس الدروع وفي يوم الجمعة ثاني النشور أمر الإمام بالاجتماع للمواجهة فحضر فيها أعيان العلماء ووجوه أهل صنعاء ورؤوس آل الإمام وعمال الحواز ومشائخها والعقال الحاضرون من حي حاشد وبكيل ووقع اجتماع عظيم فوبخهم الإمام وبكتهم وطلب منهم الجهاد بالنفس والمال وان ليس على الناس إلا ما أوجبه الله من الزكاة والفطرة والجهاد .
وهنا نجد أن المؤرخ المجهول قد تطرق إلى موضوعين الأول أن يوم الغدير ابتدأ في يوم الثامن عشر وحضره جم غفير من القبائل بجناحيها حاشد وبكيل، أي أن اليوم الأول كان يوما مهرجانيا شعبيا، أما اليوم الثاني فقد خصص لمناقشة قضايا الدولة مع أعيان علماء اليمن، أما الموضوع الثاني الذي تميز فيه المؤرخ المجهول عن غيره من المؤرخين فقد كان متعلقا بنوع علاقة المواطن بالدولة المتمثل في الزكاة أو الواجبات التي يتكفل بها أفراد المجتمع للدولة مقابل الخدمات التي تقدمها، وهنا نجد أن الإمام قد حصرها وحددها في خطابه بهذه المناسبة في الزكاة بنوعيها زكاة الأموال والفطرة فقط، في وقت لم يكن للدولة فيه أي موارد مالية غير الزكاة، ومن هنا ندرك أن الضرائب والجمارك والجبايات الأخرى التي تفرضها الدولة في عصرنا على المواطنين تحت مسميات مختلفة هي غير واجبة خاصة بعد أن أصبحت السلطة في اليمن تمد يدها إلى جميع دول العالم والمنظمات العالمية إلى جانب موارد الثروة البترولية التي لا تزال مجهولة على موظفي وزارة المالية قبل المواطنين رغم أنف الثورة الشبابية، وقيمة مزارع المواطنين في ضواحي المدن الرئيسية التي تبيعها السلطة لصالحها بعد أن سحبت من المواطنين 75% من مناهلها أو مساقيها التي امتد إليها الزحف العمراني ليدمرها ويزرع فيها كتل إسمنتية بدلا عن المواد الغذائية!
فلو سألنا صاحب مصنع السجائر على سبيل المثال عن مبلغ قيمة العلبة الذي يحدده قبل الضرائب لجاء جوابه مؤكدا أن ثمنها أقل من نصف القيمة التي تباع بها للمستهلك بعد فرض الضرائب المزدوجة، ومثل ذلك قيمة قنينة المياه المعدنية، وكل المواد الاستهلاكية الضرورية والكمالية، فكم الفارق بين الزمنين؟
الخلاصة أننا قد تطرقنا إلى احتفال اليمنيين بيوم الغدير في عاصمة الدولة في ست سنوات متفرقة في القرنين الحادي عشر والثالث عشر وبالذات في السنوات 1073، 1085، 1231، 1261، 1262، 1264هـ كعينة عشوائية تؤكد أن الاحتفال الرسمي بيوم الغدير كان قائما على مر العصور.
يوم الغدير في المديريات
كان ذلك على المستوى الرسمي وكما كان يحتفل به في عواصم المحافظات كان يحتفل به في عواصم المديريات وفي القرى كذلك، وكنت في وقت سابق قد كتبت عن العيد في قريتنا ( الملحاء) ونشرته صحيفة الثورة على حلقتين في شهر ذي الحجة سنة 1426هـ إلا أنه للأسف تم حذف ما يتعلق بيوم الغدير ويوم تنومة.
في زراجة عاصمة قبيلة الحداء كان يتم الاحتفال بيوم الغدير رسميا تحت مسمى (توديع العيد) في عاشر العيد أي التاسع عشر من شهر ذي الحجة وهو يوم الغدير بحضور العامل والمواطنين بمختلف فئاتهم العمرية في اتجاه الغرب إلى قرب حجر كبيرة وسط سائلة تسمى( حجر السائلة) ولا ندري إن كان للاتجاه سبب معلوم أم أنه تم على حسب الاعتياد، وهناك يستظلوا بظل حجر السائلة ويطلقوا النار على النصاع أو النشال ويستمروا في أداء المراسم إلى وقت صلاة الظهر ثم يعودون.
وقد استمر الاحتفال حتى بعد قيام الجمهورية فعندما كان القاضي أحمد عبدالله العرشي عاملا على الحداء في السنة الثانية بعد الثورة خرج في عاشر عيد عرفة ( ينشر العيد ) كما أخبرني والدي الذي كان أحد المنشرين للعيد، ولما وصل إلى (حجر السائلة) كما هي العادة وكانت السماء ملبدة بالسحب التي حجبت عنهم حرارة الشمس فرأى العامل أن يتجاوز حجر السائلة إلى رأس جبل هَلَلْ المطل عليها وعلى قاع جهران، وكان معه العرايف وخبرتهم وبعض المواطنين، تصاحبهم دقات المرافع والزوامل وأصوات البنادق التي أخرجت الأرانب من جحورها، وتم التسابق في صعود الجبل في جو مغيم ومرح تزقزق فيه الطيور المنزعجة من مرورهم قرب أعشاشها على غير المعتاد، وكل يريد أن يستعرض قوته ونشاطه أمام الآخرين، فمنهم من تأخر مثل الشيخ صالح الغيثي ومنهم من تقدم مثل العامل ووالدي الذي ابتدع الزامل التالي في قمة هَلَلْ لأول مرة وربما لآخر مرة فلم يسبق أن رددت الزوامل في رأس هَلَلْ ولم تردد فيه بعد ذلك اليوم:
يا سلامي كلما طائر الدنيا زجل * ما لمع برقه وشن المطر من سابله
من نشاط العامل أصبح يِطلِّعنا هَلَلْ * في وداع العيد عبرة لدنيا زايلة
صالح الغيثي تأخر قد الركبة عطل * مقصده همه وغمه سبار العايلة
وقد أجابه العامل بقوله:
مرحبا بابن البخيتي ملأ كل الدول * ذي مولع بالزوامل نحيي زامله
والنبي ما قد طلع غيرنا هذا الجبل * لا ولا ردد في أعلاه زامل قايله
يا رجال الدين لا تتركوا خير العمل* نشرون العيد وارموا حجار السايلة
وفي نفس الوقت الذي كان البعض يزملون بالجواب كان الآخرون يوجهون نيران بنادقهم على حجر السائلة تطبيقا لكلمات الزامل.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com