الوصول الى الحقيقة

سوريا بين التقسيم والتقسيم والوحده..

وجه اليمن – تقارير

 

شكل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من سوريا في وقت قريب، مفاجأة، خصوصا أن هذا الإعلان يتناقض تماما مع ما أعلنه وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس عن بقاء القوات الأميركية في سوريا والتي يبلغ قوامها حوالى 2000 جندي لمنع ظهور منظمة إرهابية جديدة شبيهة بـ”داعش” ولضمان لعب دور الاستقرار في سوريا. لكن، ما الذي حدث ليكون هناك تضارب في التصريحات ضمن الإدارة الأمريكية نفسها؟

على ما يبدو أن الجنرالات وقادة البنتاغون الذين مارسوا ضغوطا على الرئيس ترامب كي تكون الضربات في سوريا محدودة ولا تجر الى حرب واسعة ومواجهات مع الروس أو مع الإيرانيين حرصا على سلامة جنودهم هناك، هم الذين أقنعوه أيضا بالبقاء في سوريا وطي فكرة الانسحاب، لكن كيف؟.

 

كشفت أوساط أميركية دبلوماسية عن اجتماع مهم لمجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض والذي يرسم السياسات الخارجية وينفذها. في هذا الاجتماع تمسك الرئيس ترامب بنظريته التي حملته رئيساً للولايات المتحدة وتمحورت حول عنوان “أميركا أولا”، وتقضي بالانسحاب من الساحة الدولية وترك حلفاء الولايات المتحدة الغربيين والعرب يتحملون الأعباء المادية والعسكرية للملفات والحروب الخارجية، وحسب هذه الأوساط، شكل تسلم جون بولتون منصبه مستشاراً للأمن القومي ومايك بومبيو وزارة الخارجية، إضافة إلى وجود وزير الدفاع ورئيس الأركان الأميركية المشتركة في اجتماع مجلس الأمن القومي عامل ضغط واضح على الرئيس وتوصلوا في نهاية المطاف إلى إقناعه بالبقاء في سوريا وتحديداً في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية التي تنتشر فيها القوات الأميركية ولا سيما في شرق البلاد وهي مناطق غنية بالموارد الأساسية لجهة وجود حقول النفط والغاز فيها.

 

وبحسب المصادر ذاتها فإن عدداً من الخبراء في مراكز الأبحاث الأميركية قدموا دراساتهم للإدارة الأميركية حيث أبلغوها بأن الانسحاب الأميركي يعني تسليم سوريا إلى روسيا، وفقدان أي ورقة ضغط، والتسليم بالوجود الإيراني في سوريا والعراق، فالتواجد في سوريا ضروري وهو يؤدي خدمة للأهداف والمصالح الأميركية في المنطقة، والتي تتمثل في منع عودة تنظيم “داعش” بشكل نهائي، ووضع حدّ للنفوذ الإيراني في سوريا، ومنع النظام في طهران من تنفيذ مشروعه بربط الطريق البري بين إيران والعراق وسوريا و”حزب لله” في لبنان، وكذلك مواصلة الضغط على روسيا لتحقيق الانتقال السياسي المنتظر في سوريا.

 

في ظل هذه المعطيات، من المستبعد أن يمضي الرئيس الأميركي قدما باتجاه الانسحاب كليا من سوريا، ومن المحتمل أن يغادر قسم من جنود بلاده، فيما ستظل الولايات المتحدة على رأس التحالف الدولي في الحرب على الإرهاب لفترة قد تطول أو تقصر، وضمن هذا السياق، جاء مؤخراً تسريب متعمد بشأن تشكيل قوة عربية تحل محل الوحدة العسكرية الأميركية في سوريا، وتكون مهمتها العمل مع المقاتلين العرب والأكراد المحليين، الذين تدعمهم الولايات المتحدة، وهذا الأمر من شأنه أن ينقل العبء الموضوع على كاهل الولايات المتحدة الى الشركاء الإقليميين بعد هزيمة “داعش” .

 

لكن هذا الاحتمال يستبعده البعض لاعتبارات عديدة منها:

 

ـ الغموض الذي يلف الجهة التي سينقل إليها البنتاغون السيطرة على الأراضي شرق الفرات.

 

ـ الانسحاب يعني هزيمة لأميركا وانتصارا لروسيا، وسيجعل البحر المتوسط وبكل مصادر الطاقة فيه بحيرة روسية.

 

ـ الانسحاب سيكون بمثابة استسلام أميركي تام أمام نفوذ إيران في المنطقة، لأن من شأن الانسحاب تعزيز قدرات النظام والقوى الحليفة لإيران لاستعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية.

 

ـ الانسحاب سيتعارض مع استراتيجيا إرساء الاستقرار إلى حين التفاوض برعاية الأمم المتحدة على تسوية للنزاع في سوريا، وهي استراتيجيا يدعو إليها الأوروبيون.

 

وهنا يبرز السؤال، عن وضع مستقبل سوريا الواقع بين التقسيم والتقاسم لمناطق النفوذ؟

 

لم يعد الحديث عن تقسيم سوريا افتراضيا كما كانت تذهب التوقعات عن مسار الحرب، بل بات حقيقة واقعة. فسوريا الحالية تقع تحت سلطة احتلالات متعددة تتواجد قواها العسكرية على الأرض وهي أميركا وتركيا، و”إسرائيل” . وهي خطوط مناطق نفوذ ترتسم رويدا رويدا وسط مخاوف من تحول هذه المناطق تقسيما للبلاد كأمر واقع خاصة :

 

ـ إقليم شرق نهر الفرات: حيث تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” ، وهي تشكل نحو ثلث مساحة الأراضي السورية، لكن الأهم أنها تضم 90% من إنتاج النفط السوري، إضافة إلى 45% من إنتاج الغاز السوري. وأقام الجيش الأميركي عددا من القواعد العسكرية، خصوصا في عين العرب (كوباني). وبات حلفاء واشنطن يسيطرون عمليا على “سوريا المفيدة” اقتصاديا، حيث تقع ثروات النفط والغاز والزراعة والمياه والسدود.

 

ـ مناطق “هدنة الجنوب” في درعا والقنيطرة والسويداء، ما يعني إبعاد تنظيمات تدعمها إيران وحزب لله عن حدود الأردن وخط فك الاشتباك في الجولان المحتل مما يهدد بقيام شريط عازل تحت الهيمنة الاسرائيلية .

 

من جهة اخرى يتواصل الروس والإيرانيون والأتراك للبحث في الأزمة السورية وتنظيم مناطق النفوذ ، إضافة الى كيفية مواجهة الوجود الأميركي الحاضر الغائب في كل لقاء بين الأطراف الساعية الى بحث الأزمة.

 

في الواقع، يلف الغموض مستقبل سوريا، فالقوى الدولية والإقليمية ستتقاسم النفوذ فيها، وستتغيّر خرائط النفوذ هذه وفق تغيّر علاقاتها وفق تغيّر مصالحها. وهذا بدوره سيؤدي إلى تغيير موازيين القوى على الأرض وعلاقاتها مع القوى الأخرى….لكن جبهة المقاومة والممانعة تعمل على بناء قوتها الذاتية لفرض وحدة سوريا وتحريرها من كل احتلال.

 

سركيس ابو زيد

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com