الوصول الى الحقيقة

تحويل اليمن إلى “مقبرة جماعية”!!

ابراهيم محمد الهمداني

لم يكتفِ تحالف العدوان الإرهابي العالمي بما اقترفه ويقترفه من جرائم ومجازر بحق المدنيين الأبرياء، ولم يخفف من وقع الهزائم النكراء التي يتلقاها في الميدان العسكري، على أيدي الأبطال من أبناء الجيش واللجان الشعبية.

ابراهيم محمد الهمداني

بعد الفشل الذريع سعى التحالف الإجرامي الى تنفيذ أكبر مجزرة جماعية في تاريخ البشرية، من خلال الحصار المفروض على هذا الشعب، منذ بداية وحتى الان، وفي ظل هذا الحصار المطبق الشامل برا وبحرا وجوا، وما قابله من صبر وصمود واستبسال الشعب اليمني، أمعن تحالف العدوان في استهداف المواطن اليمني في لقمة عيشه وقوت يومه، من خلال إحكام السيطرة على المنافذ البرية والبحرية والمطارات، وتفتيش السفن التي تحمل المواد الغذائية والمشتقات النفطية وعرقلتها، إضافة الى سحب السيولة النقدية من العملة المحلية، من خلال إصرار قوى العدوان – المسيطرة على عملية الاستيراد – التعامل بها وإحلالها محل العملة الأجنبية الصعبة، الأمر الذي أدى الى ظهور حالة عجز في السيولة النقدية من النقد المحلي، وعدم توفر ما يكفي منها للتعامل المحلي، ناهيك عن العجز عن توفير رواتب الموظفين، خاصة بعد خطوة العدوان الاكثر حقارة وبشاعة، وهي نقل البنك المركزي من صنعاء الى عدن، في ظل صمت صندوق النقد والبنك الدولي، وتنصل هادي الخائن العميل عن إلتزاماته ومسئولياته، وكيف يرجى ممن قتل شعبه واستجلب لذلك شذاذ الآفاق، أن يقدر ظروفهم المعيشية ويصرف مرتباتهم، كيف يرجى منه الوفاء بعهد أو الألتزام بمسئولية.
هذه الحركة الأخيرة الأكثر بشاعة وقذارة تهدف إلى قتل ماتبقى من الشعب اليمني جوعاً، في ظل انتشار المجاعة في تهامة والمناطق الساحلية والأوبئة والأمراض الفتاكة، كما أنها تسعى إلى استنزاف ما تبقى من العملة المحلية، في استيراد احتياجات الشعب الغذائية والدوائية، من نظام آل سعود الذي يتحكم بعملية الاستيراد، ويعمل على سحب العملة المحلية وتكديسها، ليصل في نهاية المطاف إلى منع الاستيراد عن الشعب اليمني، بحجة عدم امتلاكه من النقد ما يفي ثمن احتياجاته، محاولاً اشعال الفتنة بين اليمنيين وتحريضهم على قياداتهم، أو تركيع الشعب من خلال التجويع وجعله يعلن استسلامه، أو تركه وليمة جماعية للمجاعة والأمراض القاتلة.
خطوة دعم البنك المركزي إيجابية جداً وفعالة إلى حدٍ ما، ولكنها غير كافية في ظل الحاجة الدائمة للإستيراد، ووجود الهوة التي تبتلع النقد المحلي إلى غير رجعة، إضافة إلى انعدام الموارد الاقتصادية التي ترفد خزينة الدولة، وتدمير البنية التحتية العامة والخاصة، التي يقوم عليها الاقتصاد اليمني، الأمر الذي جعل الاقتصاد الوطني يصل حالياً إلى درجة الصفر، وهي مرحلة كارثية لا تنفع معها الحلول الآنية، وكان من المفترض وضع المعالجات الاستباقية لها، لأنها لم تكن مفاجأة أو وليدة اللحظة، بل هي متوقعة منذ بداية العدوان، وقد طُرحت أكثر من مرة على الصعيد الرسمي من قبل حكومة الرياض، غير أن طبيعة العدوان السعوأمريكي القائمة على سياسة النفس الطويل والاستنزاف، رأت ضرورة الاستمرار في حرب وتدمير واستنزاف وقطع موارد الاقتصاد، وتأجيل الضربة القاضية[نقل البنك المركزي] إلى مراحل متقدمة، يكون الشعب اليمني فيها قد بلغ منه العدوان والحصار مبلغاً كبيراً، وتكون حالته المعيشية قد وصلت إلى الحضيض، وبذلك تأتي خطوة نقل البنك المركزي وما يترتب عليها من انهيار اقتصادي ومعيشي، وعدم قدرة الحكومة الوطنية على تسليم الرواتب التي تُعد قوام حياة معظم أبناء المجتمع، وحسب تقديرات العدوان السعوأمريكي، فإن ذلك سيخلق حالة من اختلال الثقة بين الشعب وقيادته الوطنية، التي ستفشل في تأمين لقمة عيشه وقوام حياته، وسيتكفل الجوع – وإعلام العدوان ومنافقوه – بخلق ونشر حالة من الفوضى والتذمر والسخط الشعبي ضد الحكومة الوطنية تحت مسمى “ثورة الجياع” ، التي طالما بشر بها منافقوا العدوان من قبل نقل البنك المركزي، ليتم بذلك تمزيق ما تبقى من النسيج الاجتماعي، واختراق قلعة الصمود الاسطوري وتفجيرها من الداخل، وهدم أسطورة الصمود والتحدي، وملاحم البطولة والشرف والنضال التي سطرها أبناء هذا الشعب العظيم، وتحويل كل تضحياته إلى مفهوم الخطيئة فكراً وسلوكاً، بينما الصواب هو نقيضها الذي أنتجه العدوان وعملاؤه إلى غير ذلك من الأهداف التي يسعى العدوان لتحقيقها، من خلال ضربته القاضية للاقتصاد الوطني.

يمكن القول إن توافد الجماهير الغفيرة للتبرع ودعم البنك المركزي، واستجابتهم لدعوة السيد القائد عبدالملك الحوثي، بذلك الزخم الجماهيري الكبير، والمشاركة الشعبية الواسعة، رغم الضروف المعيشية الصعبة، التي أفرزها العدوان والحصار، يحمل دلالات إيجابية عدة، لعل أهمها:-
١-ثقة الشعب مطلقاً بقيادته الوطنية عموماً، وقائد ثورته المباركة على وجه الخصوص، والتسليم له في جميع الأحوال دون تردد .
٢-مستوى الوعي الجماهيري بحقيقة الوضع المحلي والاقليمي والتآمر الدولي، وأهمية الصمود لنيل الحرية والاستقلال ورفض التبعية.
٣-صورة التلاحم والتكاتف المجتمعي وقوة الإرادة والإيمان بمبدأ المقاومة والاستبسال في المواجهة، وغير ذلك من الدلالات التي لا حصر لها، وتمثل السياق الإيجابي والصورة المشرفة والمشرقة التي يمتاز بها الشعب اليمني دون سواه، ولكن هذا لايكفي لتجاوز الازمة الإقتصادية الخانقة، وأبرز مظاهرها مشكلة المرتبات، في ظل تنصل حكومة الرياض عن الوفاء بالتزاماتها تجاه موظفي الدولة دون تمييز، وبذلك تصبح خطوة دعم البنك حلاً مؤقتاً لما ذكرنا من الأسباب سلفاً، وتبقى الحكومة الوطنية في مأزق محرج جداً للاعتبارات الآتية:-
1-عدم قدرة الحكومة الوطنية الوفاء بالبنود الرئيسية للموازنة أو حتى المرتبات على أقل تقدير، نظراً لنقل البنك المركزي إلى عدن وتحويل كل الإيرادات إلى هناك
2- عدم وجود مصادر تمويل أو إيرادات بديلة أو إضافية لرفد البنك المركزي وتفعيله.
3- السيولة النقدية المتوفرة حاليا لا تفي بميزانية المرتبات، كما أنها عرضة للسحب والتكديس من قبل العدوان ومرتزقته، الذين يتحكمون بعملية استيراد المواد الغذائية والمشتقات النفطية، التي يحتاجها الشعب.
3- في حال توفر المرتبات، ستكون هناك مشكلة في الصرف، فإذا تم الصرف حسب التصنيف الجهوي الجغرافي (شمال / جنوب) الذي انتهجته حكومة الرياض، فإن ذلك يعني الاعتراف بشرعيتها المزعومة من ناحية، والاعتراف ببوادر التشطير والانفصال بين شمال الوطن وجنوبه من ناحية ثانية، وكلا الامرين يخدمان العدوان ويصبان في تتفيذ سياسته.

وللخروج من المآزق السالفة وتداعياتها، يجب التركيز على الجوانب الاتية:-
1- الجانب السياسي: تشكيل لجان متخصصة لحل الأزمة الاقتصادية، ورفع المظالم، وتعزيز الثقة بين الشعب وقيادته، وإصدار بيانات رسمية توضح للشعب حقيقة ما يجري وما يقوم به العدوان وعملاؤه، وتحميل المجتمع الدولي مسئوليته الانسانية والأخلاقية تجاه الشعب اليمني.
2- الجانب الإعلامي: الارتقاء بمستوى الخطاب والأداء الإعلامي، وانتقال الخطاب من الطابع الذاتي المحلي الى الطابع الجمعي الإنساني العام، من خلال توجيه الخطاب بمظلومية الشعب اليمني وإجرام العدوان الى مختلف شعوب العالم، والاشتغال على مفردات الجرائم والانتهاكات والمأساة الإنسانية، وتوضيح حجم المؤامرة الكونية الكبرى بحق اليمن أرضا وإنسانا.
يضاف الى ذلك وبالتزامن معه، تكريس الحديث عن الدور الهدام والتخريبي الذي تلعبه مملكة ال سعود، وخدمتها للمشاريع الاستعمارية الصهيونية في منطقة الوطن العربي، ويتم ذلك من خلال ثلاثة محاور:-

1- محور محلي: يبرز مظلومية شعب الجزيرة العربية وجرائم ال سعود بحقه منذ القدم وحتى الان.
2- محور إقليمي: يكشف الدور التخريبي الذي تمارسه بحق شعوب الجوار، ويفضح علاقتها الوثيقة بالكيان الصهيوني الغاصب، وعدم احترامها للإسلام والمسلمين، او مراعاة مشاعرهم في الاستهانة بالمقدسات، وتعمد تشويه الدين الإسلامي الحنيف.
3- محور دولي: يتناول رعايتها العلنية للإرهاب والجماعات الإرهابية في مختلف بلدان العالم، واستهدافها المباشر والصريح للأمن القومي العالمي.

3- الجانب العسكري: ولهذا الجانب أهميته وأولويته القصوى، نظرا لدوره الفاعل والمؤثر في عملية الحسم، من خلال حشد وتدريب المجاهدين، وتفعيل دور القبيلة الى درجاته القصوى، وتوجيه ضربات قاصمة للعمق السعودي، واستهداف مواقع حيوية واستراتيجية، وخاصة آبار وشركات النفط، بالإضافة الى تكثيف الضغط على جبهة مأرب بقوة، وتدمير مطار عدن نهائيا وتكرار استهدافه، لما لذلك من بالغ الأثر على القوات المحتلة وحكومة الرياض ومرتزقة العدوان.

يجب ان يتحرك الجميع بجدية، وان تتضافر الجهود بقوة وفاعلية، وان يستشعر الشعب حجم المسئولية وخطورة المرحلة، وان يشعر بوقوف قيادته السياسية الى جانبه، وسعيها الجاد والمثمر بكل الامكانات والسبل المتاحة للتخفيف عنه، حينها لن يقف الشعب موقف المتفرج، وهو يتعرض لأبشع حرب إبادة وأقذر عدوان، ويواجه الموت الجماعي جوعا وقصفا وأمراضا وأوبئة، وهو كفيل بحسم أمره بنفسه، وتجاوز محنته التي لم يلتفت إليها العالم بمفرده، غير معول على عدالة وهمية من عدو دنيئ ظالم، أو يقظة ضمير من جلاد قاتل متكبر.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com